ظالم بن عمرو (أبو الأسود الدُؤلي) يقول: لمّا ظهر عليّ(عليه السلام) يوم الجمل، دخل بيت المال بالبصرة في ناس مِنَ المهاجرين والأنصار وأنا معهم، فلمّا رأى كثرة ما فيه قال: «غرّي غيري»، مراراً، ثم نظر إلى المال وصعّد فيه بصره وصوّب، وقال: «اقسموه بين أصحابي خمسمائة» فقسّم بينهم، فلا والذي بعث محمّداً بالحقّ ما نقص درهماً ولازاد درهماً، كأنّه كان يعرف مبلغه ومقداره، وكان ستّة آلاف ألف درهم، والناس اثناعشر ألفاً([1]).
دخلت على أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب فرأيته مطرقاً مفكّراً، فقلت: فيم تفكّر يا أميرالمؤمنين؟ قال: «إنّي سمعت ببلدكم هذا لحناً، فأردت أن أصنع كتاباً في اُصول العربيّة»، فقلت: إن فعلت هذا أحييتنا، وبقيت فينا هذه اللغة، ثم أتيته بعد ثلاث، فأُلقى إليّ صحيفة فيها: «بسم الله الرحمن الرحيم، الكلام كله: اسم وفعل وحرف، فالاسم ما أنبأ عن المسمّى، والفعل ما أنبأ عن حركة المسمّى، والحرف ما أنبأ عن معنى ليس باسمِ ولا فعل»، ثم قال: «تتبّعه وزد فيه ما وقع لك».
واعلم يا أبا الأسود، «إنّ الأشياء ثلاثة: ظاهر، ومضمر، وشيء ليس بظاهر ولا مضمر، وإنّما يتفاضل العلماء في معرفة ما ليس بظاهر ولا مضمر».
قال أبو الأسود: فجمعت منه أشياء عرضتها عليه، فكان من ذلك: حروف النَصب فذكرت منها: إنَّ وأنَّ وليت و لعلّ وكأنّ، ولم أذكر لكنّ، فقال لي: «لِمَ تركتها؟»، فقلت: لم أحسبها منها، فقال: «بل هي منها، فزدها فيها»([2]).
************
[1] ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج1 ص83 ط مصر عام 1329.
[2] ـ تاريخ الخلفاء: ص139 ط الهند.