التاريخ: 2010/02/28
حديث: (العلماء ورثة الانبياء).
نص الحديث
قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): العلماء ورثة الانبياء.
دلالة الحديث
الحديث المذكور من اكثر الأحاديث شيوعاً بين الناس، حتی لا يكاد من يقول: لم اسمع به وقبالة هذه الشهرة هي: وضوح الحديث من جانب، وعمقه من الجانب الآخر. اذن لنتحدث عنه، بادئين اولا بدلالته، فماذا نستلهم؟
الوارث هو من تجعل له الاموال أو مطلق ماله قيمة مادية او غيرها، ولذلك عندما يقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأن العلماء هم ورثة الانبياء، انما يصوغ لنا تمثيلاً أو صورة فنية ليس لوراثة المال بل لوراثة عبادية، اي: ممارسة النشاط الثقافي المتصل بتوصيل مبادئ الله تعالی الی الآخرين وما نعتزم توضيحه الآن هو: ان النبّي (صلى الله عليه وآله وسلم) يستهدف الاشارة الی ان العلماء هم الذين يضطلعون بتوصيل مبادئ الله تعالی الی الآخرين، بصفة ان الانبياء قد توفـّروا علی ممارسة نشاطهم الموكول إليهم، وهو ارشاد الناس الی معرفة الله تعالی ومعرفة المبادئ التي رسمها تعالی للبشرية لكي يعملوا بها، هذه الوظيفة الإلهية سوف يتابعها فقهاء الناس، حيث ينتقل الانبياء الی الدار الآخرة، ويبقی العلماء هم الورثة: كما اشار النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، إلاّ ان ما ننوي او نعتزم توضيحه هو: البعد البلاغي في الحديث.
بلاغة الحديث
قلنا ان صورة (العلماء ورثة الانبياء) هي صورة تمثيلية، والنكتة البلاغية كامنة في مصطلح (الورثة) حيث نقله النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من سياقه الاقتصادي في نطاق الاسرة وما حولها، الی موضوع العمل العبادي الذي خلق الله تعالی الانسان من اجله، حيث يتعين علی الاخصائيين: الاضطلاع بتوضيح المبادئ الشرعية، وهذا ما يتمثل في نشاط العلماء، حيث يقومون بتوضيح وتوصيل المبادئ المشار اليها.
والمهم هو: النكتة البلاغية متمثلة في ان الوارث يرث مالا في العادة، والمال هو للمتوفی الغائب، وحينئذ يمتلك الوارث مالا كان لغيره، ولكنه أصبح له الآن، والسؤال هو: عن النكتة البلاغية: كما قلنا، هو: ان العالم الحق هو من يمَلِكَهُ الله تعالی ثقافة شرعية، فتصبح وراثته الثقافية وراثة من الانبياء وليس من الاب او الام الى آخره، والنكتة، هي: ان الظاهرة ترتبط بالله تعالی، وبالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وبالمعصومين (عليهم السَّلام) وبمطلق الانبياء، حيث يورثون الثقافة الی هذا العالم أو ذاك، فتتعين مهمته المذكورة، وهي: توصيل مبادئ الله تعالی الی الآخرين.
اذن امكننا ان نتبين جمالية وعمق الصورة التمثيلية التي قدّمها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، سائلين الله تعالی ان يجعلنا ممن يوفق الی ممارسة وظيفته الثقافية المذكورة، ومن ثم مطلق الممارسة العبادية، أو الطاعة بعامة، انه سميع مجيب.
*******
بقلم : الدکتور محمود البستانی
المأخذ : arabic.irib.ir